الجمعة، 25 سبتمبر 2020

لو دامت لك... لما وصلت لغيرك

 

قبل أعوام حين خرج الأردنيون إلى الشارع اعتراضًا على رفع الضرائب والغلاء المعيشي، تم تعيين هذه الحكومة لتحمل أعباء الشعب الكادح على أكتافها، تم انتقاء كل رجل فيها بعناية، أبناء النضال والكفاح، رجال أكفاء على دراية بهموم شعب، ويملكون من الوعي والمعرفة ما يكفي لمخاطبتها، لماذا إذن مازال الشعب الأردني عالق في عنق الزجاجة، أم هل أصبح عنق الزجاجة هو العالق في الشعب الأردني!

بعد حراك الرابع، تم تغيير الحكومة تلبية لمطالب الشعب، وتمرير قانون الضرائب الذي خرج الشعب اعتراضًا عليه في المقام الأول كان أول إنجازاتها، الآن ونحن في خضم انتخابات جديدة، وبينما لم يتم حل المجلس النيابي رسميًّا بعد، تستعد الحكومة لمغادرتنا واستبدالها بأخرى، وبينما هناك نواب بدأوا بحملاتهم الجديدة وهم مازالوا على مقاعدهم النيابية، والتي لم ينجزوا من خلالها أي إنجاز يصب في مصلحة الشعب، بل قضوا سنوات "تمثيلهم" للشعب في تمرير القرارات المعاكسة لمصالحه، مع ذلك يملكون من الثقة بقواعدهم الانتخابية ما يكفيهم للترشح من جديد، كذلك الحكومة التي صعدت على آمال الشعب وأحلامهم، وأوهمتهم أنها تسمع صرخات استغاثتهم وجوعهم، حتى وصلت إلى الكراسي وكغيرها، انقلبت ضد الشعب الذي بارك لها المناصب وأوصلها لها.

 أزمة الوباء لم تكشف لنا مقدار جهل صنّاع القرار في حكومتنا فقط، بل استخفافهم بالضائقة الاقتصادية وحالة الفقر التي وصلنا إليها بفضل تعاقب الحكومات الانتهازية التي لا تعرف كيف تعيش إلا على قوت المواطن وجيبه، قبل الجائحة أذكرالاتصالات اليومية على الإذاعات المحلية من أصحاب قطاع الملابس واستنجادهم بالمذيعين لإيصال صوتهم، حين كانوا على شفير الإفلاس، أين وصلوا بعد كوفيد-18 يا ترى!

ماذا عن قطاع المطاعم والفنادق، ما هو حال العاملين في هذا القطاع بعد تضارب قرارات الحكومة بين فتح و إغلاق وانحسار وانتشار للفيروس، ماذا سنستفيد من إنهاء خدمات الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة، إلى متى سيدفع الشعب رواتب تقاعد مدى الحياة لوزراء لم يقضوا إلا بضعة أشهر في مناصبهم لم يخدموا بها إلا أنفسهم ومصالحهم ومصالح السلطة.

 ما هي إنجازات هذه الحكومة، مشروع الباص السريع تم بيعه دون إكماله، الطريق الصحراوي على حاله يحصد مئات الأرواح على اسفلته، ملف المعلمين عوضًا عن حله من قبل وزير تعليم سابق تم تعقيده أكثر، دولته ابن النضال والذي أتى من رحم الحريات، تم على عهده اعتقال المعلمين قمعًا لحرية التعبير السلمي، وتم على عهده اعتقال المعلمات بنات الأردن البارات لخروجهن إلى الشوارع للتعبير السلمي عن رأيهن، ناهيك عن ذكر أزمة التعليم في العام المنصرم والحالي ما بين تسببه بإضراب المعلمين، و فشله لاحقًا وحاليّاً في توفير وسيلة تعليم واضحة في ظل الجائحة، دون ذكر فوضى التعليم الخاص الذي لا يجرؤ أي وزير أو مسؤول على التدخل فيه والتصدي لتغول أصحاب المدارس الخاصة على الأهالي في الرسوم و الكادر التعليمي في الرواتب، أما عن الصحة فحدث ولا حرج مازلنا في قلب الزوبعة لا نعلم بحال أصبنا بالفيروس اللعين هل سيتم عزلنا في البيوت أم هل تتسع لنا المستشفيات الحكومية، أم هل تستقبلنا المستشفيات الخاصة وعلى حساب من!

كل هذه الإخفاقات وأكثر وهاهي تستعد الحكومة لبيع إخفاقاتها لتاجر جديد يتاجر بهموم الشعب لخداعه...

 تصحيح دولتك، المقولة الأصلية، لو دامت لغيرك لما وصلت لك، وليست لو دامت لك ما وصلت لغيرك كما قلتها، وشكرًا





الأحد، 6 مارس 2016

شهيدٌ وروحه وطن

شهيدٌ وروحه وطن

رغم قسوة الظروف التي مرّت على هذا الوطن وأبنائه في الأيام الماضية، إلا أنه ومرة أخرى من جديد أثبت أنه قادرعلى التحمل، وأن روح الصمود لا تفنى في نفوس أهله، مهما قست علينا الظروف المعيشية، ومهما طالتنا اعتداءات لا نستحقها، ومهما وجّه من ضربات للدولة السبّاقة في مساندة من حولها.

قد يحاول البعض العبث بوحدتنا، وبرغم أنه في ظروف عادية قد تجد من يتحدث بنفس عنصري أو طائفي أو طبقي أو غيرهم كحالات فردية لا تمثل إلا نفسها، إلا أنه في لحظة الجد والحزم ستجد هذا الوطن نسيج واحد مترابط تصبح فيه جميع العشائر عشيرة، وجميع الأقاليم إقليم واحد لا تنضب فيه روح الوطنية، هذا التلاحم الذي لن تجده في أي بقعة أخرى على هذه الأرض حتى في أكثر الدول الغربية تقدماً.

حقيقة كانت أحداث إربد في الأسبوع الماضي مثيرة للرعب، على الأقل بالنسبة لي، لم أتمكن حينها من تخيل مصير هذا البلد وأهله اذا ما وجدت داعش لها مكاناً بيننا، إنما ما أثبته أهالي هذا البلد الطيب بحزم أنك لن تجد بينهم من لديه أدنى استعداد لاستقبال هذه الفئة الضالة في بيوتها، وما يزيد دعامة الأمن هو تحالف الشعب معه ودحر أي محاولة للعبث بأمنه.

كل ظرف أليم يمر على الأردن من استشهاد معاذ الكساسبة رحمه الله،  و استشهاد راشد  الزيود، يثبت الأمن استعداده وبسالته في الحفاظ على نمط الحياة الآمنة التي ينعم بها كل مقيم في هذه البلد، لا أنا ولا غيري ننكر أن الظروف المعيشية قد تكون مريرة، إلا أننا لن نضحي بأمن البلد بأكمله، ركضاً خلف أوهام تحقيق الحريات الخادعة، شاءت الأقدار أن تكون هذه الطريقة التي أثبت بها الشعب أنه يمشي خطوة بخطوة مع جيشه وقوات أمنه، وأنه يراهن عليه بحياته، وأن أولويته أمام المخاطر هي المراهنة على المؤسسات الوطنية ومساندتها في تأدية دورها الوطني، لا الوقوف في وجهها، وهذا تماماً ما كنت أقصده حين انسحبت من الحراك الشعبي، بل ودعوت كل حراكي إلى الإنسحاب حفاظاً على أمن هذا  البلد، ومساعدة الأمن على تركيز جهوده في حماية الحدود ومراقبة نشاطات المجموعات المريبة.

لم يكن هذا موقفي وحدي، إنما كان موقف كل مواطن شريف ينتمي لهذه الأرض المروية بدماء الشهداء منذ رسم حدودها الأولى، و كل مواطن يحب الخير لوطنه قبل نفسه، مهما اختلفت وجهات نظرهم مع جهة أو أخرى، فإنه في ساعة الحزم  قلبهم وقلب الأمن واحد، وروحهم واحدة، وتمزقت آلاف الأرواح خلف روح الشهيد راشد الزيود، ولم يكن بيننا الحاقد أو الشامت، وإن وجد فهو لم يرضع من أصالة هذا الوطن يوماً، ولم يفقه جوهر الانتماء في سنين حياته على هذه الأرض الخضراء.

أصابني الخوف لوهلة أثناء المداهمة، إنما ثقتي في الأجهزة الأمنية وقدرتها على السيطرة أكبر بكثير من أن أشعر للحظة بالقلق من مجموعة شباب غافلة انقادت وراء مغريات وهمية، وسولت لهم أنفسهم الدنيئة أن يؤذوا هذا الوطن ويحاولوا العبث بأمنه، ولكن أيّاً منهم لم يدرك أي هلاك قد ساقته أقدامه إليه، هيهات منّا الرضوخ لهذه التهديدات الفارغة، نموت ألف مرة ويحيا هذا الوطن، ونموت ألف مرة ولن نكون أذلاء النفوس لداعش وغيرها ممن يدّعون أنهم يدّ الله على الأرض، وما هم إلا شوكة الشيطان الرجيم تبسط نفوذها بالسيف والساطور وسينتهي مصيرها لا تدمر إلا نفسها ومن يدعمها ويحركها.

بالختام، تحية تقدير واحترام وإجلال لمن قضى عمره في خدمة هذا الوطن والحرص على أمنه، وغرس روح الوطنية هذه في ابنه حتى قدم نفسه شهيداً لخدمة ذات القضية التي قضى والده عمره في خدمتها، انحناءة حب لهذا الأب الباشا حسين الزيود والمعلمة الفاضلة والدة الشهيد الرائد راشد الزيود.

إيناس مسلّم
06/03/2016



السبت، 13 فبراير 2016

الربيع العربي بين الواقع والأحلام

الربيع العربي بين أحلام 2012 وواقع 2016

كم حاولت جاهدة أن أنأى بنفسي عن هذا المجال، إنما كأنه المجال المغناطيسي لا ألبث أن أبتعد خطوة حتى يجذبني إلى أعماقه أكثر.

خلال الأعوام الماضية التي ثار بها الشباب العربي سعياً لتغيير الشكل السياسي لأنظمة الحكم، حدثت تغييرات ربما صدمت البعض وأحبطته وربما أفرحت البعض الآخر، إنما بالتأكيد لم يتنبأ بها أحد.

قبل أيام عدة قمت بالمشاركة في ورشة عمل اجتماعية في تونس ترعاها إحدى المؤسسات الثقافية، جمعت الورشة شباب من أنحاء الشرق الأوسط _ أو من الأنحاء التي سمحت لشبابها بالمشاركة_  وكنت قد التقيت بعضهم في ورشة من ذات النوع أقيمت عام 2012 في باريس-فرنسا، وشاركتهم طموحات الربيع العربي وأحلامهم الثورية التي مثلت أهدافاً سياسية ينوون تحقيقها على أرض الواقع.

ما جمع هؤلاء الشباب هو عامل الطموح والنشاط، فلكل منهم مشروع يسعى بجهد لتحقيقه، شابٌ يطمح لإنشاء مجلة ثقافية تتحدث عن ثقافة بلده، وفتاة تنوي إفتتاح إذاعة راديو تنقل ثقافة مدينتها، وآخر يحلم بإنشاء مركز للمحافظة على فن العمارة القديمة في بلده، أما عني فكان مشروعي عبارة عن مدونة تجمع المدونين العربي من مختلف الدول، وتطلق أعمالهم الصحفية سواء بالكتابة أو الصورة من منصة واحدة، وتنقل الأحداث الجارية في بلدانهم من عدسة أوقلم النشطاء السياسيين لا وسائل الإعلام والصحافة الرسمية، ونقوم بترجمة هذه الأعمال إلى اللغات الأجنبية، وفي الوقت ذاته تحمل مظلة قانونية تمكنها من تأمين الحماية اللازمة للمدونين التابعين لها بحال تم ملاحقتهم أمنيّاً أو تعرضهم للإعتداءات السافرة، باعتبارهم غير منتسبين لأي نقابة مهنية.

تميزت معظم المشاريع بقلة تكلفتها أو انعدامها، لأن في الحقيقة وعلى أرض الواقع لا يوجد أي جهة محلية كانت أو دولية، خاصة أو حكومية، ربحية أو خيرية تقوم على تمويل مشاريع فردية غير ربحية ذات أهداف بنّاءة غير تخريبية، في الوقت ذاته لم يكن أي ناشط ليقبل التمويل المادي لمشروعه خوفا من مواجهة تهمة امتلاك أجندات أجنبية، بالتالي كان الجهد الأعظم يقع على عاتق صاحب المشروع، فما عليه إلا البحث عن الأدوات اللازمة لإطلاق مشروعه، والبعض فعل ذلك بالفعل، وحقق حلمه ورأى مشروعه حيّاً، إما بمقومات أقل كأن تكون إذاعة الراديو على الإنترنت لا على تردد الإذاعات، أو كأن تكون المجلة الثقافية إلكترونية لا ورقية مطبوعة.

البعض بذل جهده ووقته لإنجاح مشروعه، وما لبث أن تجاوز الخطوة الأولى منه حتى تم إغلاقه وهدم حلمه أمام عينيه،و سدّ سبل النجاح في وجهه، وإعادته إلى نقطة الصفر أو ما دون ذلك، أما في حالتي فأنا كنت الأفشل، حيث أنني عوضاً عن السعي لإنجاز مشروعي، اتخذت الطريق الأسهل وغادرت أرض الوطن واتخذت من الغربة مأوى هجرت فيها مدونتي.

أعترف لم يكن ذلك بالأمر اليسير عليّ، ومن يعرفني خير معرفة يدرك أي جلد للذات قمت به بانسحابي المفاجئ هذا، ولكن بعد المشاركة في ورشة العمل الأخيرة اكتشفت أنني لست الوحيدة التي أدركت واقع الحال السياسي لا في بلدها فقط بل في بلدان المنطقة أيضاً، النقلة النوعية للنشطاء الذين التقيتهم لم تدمر أحلامهم السياسية فقط، بل دمرت أي أمل لهم في عيش حياة طبيعية، فمنهم من خسر وظيفته الرئيسية كمحامي أو طبيب للتفرغ إلى نشاطه السياسي أو مشروعه الاجتماعي، ومنهم من خسر عائلته أو بيته أو أمواله أو غيره مما لا يمكن تعويضه.

كانت تونس ومصر نافذة الحرية التي تمد النشطاء حول الوطن العربي بالأمل، والحقيقة أن الأوضاع سواء الأمنية أو السياسية في أيّ منهما ليس على الإطلاق أفضل مما كانت عليه قبل الربيع العربي، بل على العكس، نعم، أعلم بالطبع قاعدة أن التغيير الثوري يحتاج إلى سنوات من العمل وربما عقود، ولكن ما عرفته حديثاً أننا لا نحمل عقيدة الصبر أو الالتزام في نفوسنا أو المقومات الأساسية اللازمة حقيقة لإحداث التغيير، فمعظم الذين التقيتهم لم يفقدوا الأمل فقط في إحداث التغيير في دولهم أو إنجاز مشاريعهم، بل بات شغلهم الشاغل السعي للحصول على تأشيرة لمغادرة أوطانهم، لحماية أنفسهم والتأسيس لحياة كريمة قبل ذلك.

عند هذه المرحلة، أقر وأعترف أن الحال قبل الربيع العربي كان أفضل بألف مرة، ولوأخذنا النظام الأردني كنموذج فإنه سيبرز بتفوق كالنظام الأكثر وعيّاً في الحفاظ على أمن الدولة وأمن شعبها من خلال دبلوماسيته في التعامل مع الحراك السياسي، فبرغم براغماتية الحراك والإندفاع غير المبرر، إلا أن النظام تمكن من استيعابه بالتخطيط الناجح دون التسبب في دفعه للتهور أكثر أو إحداث الفوضى، بالطبع لا ننكر أن بعض الفضل يعود للشعب الأردني كركن داعم للنظام ومدرك لمخاطر تغيير الشكل السياسي للدولة.

انسحابي السياسي وربما انقلاب موقفي كما أسماه البعض ربما يكون قد أثار الغضب وأشبعني بالإتهامات، ولكن قياساً لواقع الحال؛ الأردن يشكل الدولة الأكثر حساسية على الصعيد الجيوسياسي، والحقيقة أن التحديات والمخاطر الأمنية تحده من كل صوب، بالإضافة إلى ضعف إمكانياته، مما يلزمنا بالحفاظ على الهدوء الداخلي ودعم القوى الأمنية للقيام بدورها الوظيفي في الحفاظ على الأمن بالأخص أمن الحدود، ربما يبدو الأمر ساذج للبعض، ولكن من التواجد على عمق داخل الحراك يدرك المرء أننا فعليا ً لا نملك الوعي السياسي اللازم لإحداث أدنى درجات التغيير، وأننا إذا سعينا على حالنا هذه لدفع التغيير للحدوث بالإكراه فإن العواقب ستكون وخيمة بحيث لا يتحملها الشعب.

أما لو قيّمنا الحراك عن بعد بشكل عام، فالمنطق يفرض على أي حراك سياسي امتلاك أعمدة أساسية ثلاثة يقوم عليها، الأول هو الهدف السياسي، وسواء كنت حراكي سابق أو حالي _بحال مازال هناك حراك_ أو لم تمت بصلة للحراك من أصله، ستجد أن الحراك على مدى أعوامه الخمسة قد تبدلت أهدافه مع تبدل القائمين عليه حتى بات من المستحيل الاتفاق على هدف واحد بين كل ثلاثة حراكيين، فتارة يكون الهدف تغيير الدستور أو العودة لدستور سابق، وأخرى تغيير حكومة ومرة تغيير شكل الحكم وأخرى تغيير شخص الحاكم، أو كما كان بالمراحل الأولى الإكتفاء بتغيير قانون الانتخابات، حتى انقسم الحراك برغم صغره إلى مجموعات أصغر كل منها اتفق على تغيير ما لا يناسب مصالحه الشخصية.

العمود الثاني هو القيادة، ولا أظن أن هناك حاجة لشرح هذه النقطة، فهذا الحراك أمامكم منذ انطلق، هل شهدتم على امتلاكه لقيادة في أي مرحلة من مراحله، وما السبب وراء ذلك يا ترى، أهو عدم وجود الحنكة السياسية الكافية بين صفوفه لقيادته، أم عدم التمكن من الاتفاق على قيادة معينة لأن كل جهة تريد أن تدير الدفة صوب أهدافها الشخصية أو تسليط الإضاءة عليها دون الجهات الأخرى، وطبعا لذلك أهدافه وجميعنا ندركها وشهدناها بحالات عدة.

أما العمود الثالث والخاتم لمقالي هذا، هو القاعدة الشعبية، والحراك في هذه كان كحالة الطقس لدينا، تسمع عن المنخض الدراماتيكي ولا تراه، وذلك يعود إلى عدة أسباب بعضها ضعف قدرة الحراك على جذب الشباب، و خوف الشعب من فقدان الأمن والأمان في بلده_وقد كان محقاً في هذه_ ، وانعدام وجود قيادة حقيقة للحراك قادرة على تثبيته على أقدامه والسير نحو الأمام و جمع الأعداد في طريقها أو على الأقل الاحتفاظ بمن انضموا إليه من البداية، وفشل الحراك في خلق الوسائل المناسبة للحالة في الأردن ونشر الوعي بالطريقة الصحية دون النزول إلى الشارع بأعداد أقل في كل مرة.


ودمتم




2016-02-13
إيناس مسلّم

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

وداعاتٌ عذبة



من الوداعات التي تعزّ على القلب، وداعي اليوم لقطر، وكأن روحي تتوسل البقاء حتى خشيت أنها لن ترافقني على الطائرة.

أترك هنا اليوم كل نفيس لن ألقاه ثانية، أترك في وداعة دار العز والخير كل ما احتفظت به ملاصق لقلبي على مدى عامين، ولا أحمل معي سوى غصة المقهور على فراق أحبته أذكر أنها لازمتني الرفقة من لحظة مغادرتي الأردن في المقام الأول.

هذه الديرة بطيبة أهلها وأرضها وقيادتها صيّرت الرمال أبراجاً، والصحراء شواطئ وجزراً، أتركها اليوم وأعلم أنها ستُشهد العالم على مجدها قريباً كما أشهدته على قدرتها على التطور والتقدم ومواكبة المدن العالمية في غضون سنوات قليلة.

هذه الديرة التي تجمع الحياة العصرية وأصالة الماضي العريق، سأشتاق لها بكل ذكرياتها، سأفتقد سوق واقف ومحلاته الشعبية وروائح البخور والعود ودهنه، سأفتقد "واقف" الوكرة حيث مازالت تخيم على المكان ظلال الماضي، قصص المراكب والنواخذة، صيد اللؤلؤ ورحلات الأشهر الستة إلى الهند، أهازيج النساء على الشاطئ وانتظار عودة أزواجهن من الفجر حتى المغرب مرتديات أبسط القفطان والجلابيات والبراقع اللاتي دفع ثمنهم باللؤلؤ وأنفاس الرجال المتقطعة في قاع المحيط.

سأفتقد الأحاديث عن أسماء القبائل التسع المؤسسة، ووقفات العز والصمود في الحروب والمواجهات، وقصائد التغني بأمجاد الدولة باللهجة المحكية.

سأفتقد الكلمات التي لا أتقن لفظها، والأسواق التي لم أشبع من التجوال فيها، والشواطئ التي لم أزرها بعد، والتفاصيل البعيدة عني في المسافة والقريبة في القلب.

سأغادرها اليوم وأحمل معي كل ذكرى تمتعت بحفظها، وكل درس تألمت في تعلمه، ولن أنسى ولن أدع حبّ الديرة يغيب عن خاطري.

سأفارقها ولن يفارقني وجودها بين الحنايا.

28/10/2015

الأربعاء، 24 يونيو 2015

دوحة الأمان

من منّا لا تضطرب مواقيته في رمضان، لا يصبح ليله نهاراً وفي النهار يعجز عن إبقاء عينيه مفتوحتين، مما يحول نشاطاتنا من مسائية إلى ليلية.

ما أحاول الوصول إليه هنا، أنني لأغراض الحفاظ على الوزن وموازنة الوقت واجتناب الكسل بدأت منذ ليلة أمس الخروج للمشي ليلاً، تحديداً في تمام الساعة الحادية عشر بعد أن تكون قد انتهت صلاة التراويح وخلت الشوارع من ازدحام المصلين بارك الله بأعدادهم وصلاتهم.

خرجت أمس دون تردد من تأخر الوقت، أو الشعور بالخوف من التعرض للمضايقات، لا لأننا بالشهر الفضيل فلو قمت بتلك التجربة بأي شهر كان ستكون النتيجة ذاتها، أثناء المشي لمدة ساعة لم أتعرض حتى لمحاولة تحرش واحدة، لم تتعرض لي سيارات المارة أو يضايقني المارة، لم أسمع حتى كلمة واحدة من شأنها إزعاجي أو دفعي إلى الشعور بالخوف.

قارنت الأمر بين خروجي في منتصف الليل لممارسة رياضة المشي، وبين خروج شيماء وجمانة في منتصف النهار للذهاب إلى الدرس وتعرضهن للخطف، نعم، مصرّة أنا على أنه خطف، ولو كانتا قد ذهبتا بإرادتهما مع هذا الشخص فهو خطف كذلك لكونهما قاصرات.

الطالبتان أعادتا لي ذكريات الثانوية، كنا قد نلنا منحة أنا وثلاث فتيات أخريات للدراسة في إحدى مدارس المملكة الخاصة، اثنتان من الثلاث فتيات كانتا على إلتزام ديني عالي، تجيدان تلاوة القرآن الكريم بصوت مذهل، ملتزمتان باللباس الشرعي الكامل، متفوقتان في دراستهما، لا تفوتهما صلاة، كان وجه الواحدة منهما يشع بالنور صدقاً كأنك تطالع ملاكاً، وكانتا تخرجان معنا في أوقات التفسح والرحلات المدرسية بشكل طبيعي، وتمارسان الجنون الطبيعي الذي تمارسه أي مراهقة في جمعة مع صديقاتها بعيداً عن أماكن المراقبة الرسمية للسلوك من مدارس وبيوت ومراكز تعليم.

عندما رأيت صورة الفتاتين تذكرت صديقتاي القدامى على الفور، ذات الملامح الملائكية والبراءة الطفولية، لذلك لا يمكنني بأي شكل من الأشكال تصديق الرواية الأمنية، بالأخص مع تجربتي الخاصة في الروايات الأمنية التي تم تأليفها عني سابقاً.
لندرس الرواية الأمنية، هل هناك فتاة وبمواصفات الفتاتين ستقوم بشهر رمضان بترك بيتها في منتصف الظهيرة للتنزه، هل ستقوم فتاة متفوقة في دراستها بإنهاء درسها والاصطدام بأي غريب بالشارع والطلب منه خطفها، لو افترضنا أنهما فتاتان ساذجتان، هل هناك رجل بالغ راشد عاقل سيقوم بتنفيذ طلبهما واختطافهما بناءً على رغبتهما وأخذهما إلى مدينة أخرى، وبناءً على طلبهما يقوم بتقييدهما وتصويرهما وتجويعهما وابتزاز ذويهما، متسبباً بضجة إعلامية وحالة قلق عام للأمن والدولة، لا بل ويحتفظ بهما لأيام خمس!!

هل هناك فتاة تطلب من رجل أن يقوم بخطفها ولا يفهم ذلك ويستغله على أنه دعوة للتحرش بها!! فلماذا لم يفعل، وجاء التقرير الطبي ليدل فقط على إصابتهما بالجفاف وارتفاع الأملاح دلالة التجويع.

للأسف الأمن العام مازال لم يتعظ مع تجربته من انتهاك سمعة الفتيات وتشويهها، ولا أعرف أي ثمن ينوي أن يدفع قبل الاتعاظ من أخطائه، ولو أن روايته صحيحة فواجب عليه القيام باعتقال الفتاتين على الفور وعرضهما على القضاء ومحاسبتهما بتهمة الفساد لتسببهما بإهدار موارد الدولة وطاقاته الأمنية أثناء عملية البحث عنهما.



هب أن فتاة بين جموع الفتيات العازبات المغتربات لوحدهن هنا في الدوحة والآتيات من مختلف بقاع الأرض، هب أنها ذهبت إلى الشرطة واشتكت على قيام مواطن بالتحرش بها، هل تعلم أن الأمن سيحضر هذا المواطن ويحاسبه على فعلته حتى يتمنى لو أن أمه لم تلده! دون تعريض الفتاة لأدنى مستوى من الإحراج، أو التشهير بها، أو الإساءة لسمعتها، أو تحويلها إلى موظفة رسمية في المركز الأمني لكثرة طلبها للمراجعة، أو استغلال جرأتها في تقديم الشكوى والتحرش بها من قبل رجال الأمن أنفسهم.
الأمن والأمان هنا حقيقة لا خيال وكذبة واهية، عدم التكافؤ في الموارد ليس ذريعة، في الأردن من الخيرات ما هو أكثر ولكن الأمر منوط بحكمة الدولة في إدارة مقدراتها، كذلك تفاوت أعداد السكان ليس ذريعة للفلتان الأمني والتغطية عليه، لأن عدد السكان هنا تضاعف فجأة تماما كما ارتفع في الأردن ولم يتضاعف، والمقارنة قائمة على الزيادة المفاجئة لا على مجموع السكان بعد الزيادة، بالتالي من المفروض أن الدولة مازالت قادرة على توفير الأمن والأمان لرعاياها، هل الحجة هي تنوع الجنسيات وانتشار الفقر والجهل، في الدوحة جنسيات أكثر ومن بلاد الجهل والفقر فيها أكبر، مع ذلك الأمر تحت السيطرة، ثم أنه لا يجوز للدولة السعي وبذل الجهد والتوسل والتسول لاستقبال اللاجئين وتلقي المساعدات الدولية الخاصة بهم، والتي تكفي لتوفير حياة كريمة لهم وأكثر، ثم التذرع بهم وعدم إمكانية احتمال طاقة الدولة وجودهم لتبرير فقدان السيطرة الأمنية!

في الدوحة يلتقي المرء بأشخاص من أقاصي البلد، لا يفهمون لغتك الأم، وقد لا تفهم أنت لغتهم، لكن حالة الراحة النفسية اتجاه الآخر متبادلة، لأنك في دولة تضمن لك حقك، تتعهد في حمايتك، أنتَ هنا لتعمل بالتالي أنت تمنح الدولة مجهودك، بينما هي تمنحك بعد الله رزقك وأمنك وأمانك وراحتك النفسية وتقدير جهودك واحترام حقوقك وضمان حمايتك، طبعا ً دون ذكر المنافع الأخرى كالتأمين الصحي المجاني وغيره، كل هذا وأنت هنا مقيم لا مواطن، فأين دولتنا عن حماية مواطنيها من اعتدائهم على بعضهم واعتدائهم على المقيمين فيها سواء بالإهانة النفسية والمعنوية أو غيرها.

في الدوحة ستلتقي بالنيبالي والبنغالي والباكستاني والهندي والسيرلانكي والفليبيني والإفريقي والأوروبي والأمريكي والعربي، كل يعرف دوره ويؤديه، ويعرف حدوده ويلتزم بها، ويعرف واجباته ويقوم بها، ويعرف حقوقه وينالها، ويعرف كيف يحترم نفسه باحترامه للآخرين.

الأسوأ في قضية الفتاتين أن نية الأمن في بيانه كانت عدم ترويع المواطنين من وجود فلتان أمني واحتمالية فقدان السيطرة، بينما كان الأولى به الإعتراف بوجود مشكلة عليه مواجهتها يداً بيد مع الشعب، دون التعرض لكرامة وعرض هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره، ودون الإستخفاف بعقل المواطن بتأليف قصة سخيفة لا يصدقها عاقل، اليوم يثبت الأمن للمرة الثانية خلال ثلاثة أعوام، أن خدمة الشعب وحماية المواطن ليست غايته ولا رسالته، وأن تشويه سمعة الفتاة والتعرض لها في مجتمع عشائري ضيق تنتشر فيه الشائعات كالنار في الهشيم أسهل مهمة عليه تأديتها في وظيفته.


أن لم أقم بالمقارنة بين الدوحة وعمان كمحاولة لمسح الجوخ، من يعرفني يعرف أن وضعي هنا ضبابي وغير مستقر وقد أعود إلى الديار بين ليلة وضحاها، وأن كلامي هنا بالأساس لا يوجد متابع له والقارئ الوحيد هو من يعرفني من الأردن ويتابعني منها، ولكن البلد التي فتحت لي ذراعيها واستقبلتني بهذه الرحابة، وقدمت لي هذا الشعور بالأمان وأنا هنا لوحدي ولم تقدمه لي بلدي وأنا بين عائلتي وأهلي، واجبي أن أشكرها وأعترف بجميلها عليّ وعلى الآلاف غيري، وأن أشيد بحكمة قيادتها التي إن وعدت بالأمن والأمان وفت بوعدها، ويحق لها أن تفخر بنفسها بين الأمم، الدوحة المدينة الصغيرة التي أبرزت نفسها على خارطة العالم لتصبح الوجهة  الأولى للعمل والإستقرار والإستثمار والتنمية الإقتصادية، الدولة متواضعة المساحة التي جعلت من نفسها قائداً عملاقاً بين دول العالم، والتي فرضت إدراج عاصمتها بإعمارها وتنميتها بمدة زمنية لا تذكرعلى قائمة أوائل مدن العالم، المدينة التي نهضت من الرمال لتنافس أبرز مدن العالم الصناعية وتضاهيها بالتقدم، هذه هي الدوحة أعزائي، التي عمّرت نفسها بالنفوس الطيبة والقلوب البيضاء وحب الوطن، ربما يكون قد أنهكنا الفساد في الأردن حتى لم نعد نملك أيّاً من هذه الثلاث وباتت ممارسة الجريمة والإعتداء على الآخرين وانتهاك كرامتهم وعرضهم، الطريقة الوحيدة لدينا للتنفيس عن غضبنا، هل خلت الديرة حقاً من النفوس الرحيمة، ماذا بقي فيها إذن؟





الاثنين، 9 فبراير 2015

#عند_الشدايد_أردن_واحد



في الأيام الأخيرة أثبت الشعب الأردني أنه شعب كفؤ،  شعب جدير بحمل راية الوحدة أكثر من غيره، أثبت لشعوب المنطقة والعالم أجمع أنه غير قابل للكسر ولا يمكن تقسيمه، مهما حاولت الأيدي العابثة بث روح العنصرية والفرقة في صفوفه، في الأيام الماضية أثبت الشعب الأردني العظيم أنه من أصل ومنبت واحد لا كما يدعي البعض أنه مشتت الأصول والمنابت.

من كان مع سياسة الحكومة أو ضدها، كان في الآونة الأخيرة مع الدولة، سواء اتفقنا مع بعض الممارسات أو اختلفنا كنا مع النظام، حتى من كان معارضاً للنظام كان في الأيام الماضية معه، وإن امتلك اختلافات في الرأي حول القرارات السابقة أو الحالية، احتفظ باعتراضه لنفسه حتى مرور الأزمة.

أما وقد خرجنا من الأزمة العاطفية وحالة الصدمة باستشهاد النقيب معاذ الكساسبة، وقد التففنا جميعا ً حول القرار الأسلم الذي أخذه القائد الأعلى للقوات المسلحة جلالة الملك عبدالله الثاني في شنّ الغارات الجويّة على التنظيم الإرهابي "داعش"، لا فقط للقصاص لروح الطيار وامتصاص الغضب والحزن الشعبي، بل أيضاً لأن قتالهم ضرورة ملحة وواجب شرعي، وإن كان تحت راية التحالف الذي بتنا لا نملك خياراً سواه نظراً لإمكانيتنا ومقدراتنا التي حرص الفساد على تبديدها وخسارتها وإيصالنا إلى حال الإفلاس التام والإعتماد على التبعية الإقتصادية والسياسية للغرب، الآن حان وقت العودة إلى المنطق وقد بدأت الأمور بالخروج عن السيطرة.

ثبات الشعب الأردني عند الشدائد، وإثباته أن أردننا واحد، تلك ميزة تحسده عليها شعوب العالم، ولكن هل يكافئ على ميزته هذه بتركه في ميدان القتال وحيداً، هل يعني ذلك قبوله ورضوخه لقرار إرساله في حرب برية بعد أن سحبت قوات التحالف كوادرها البشرية ولم يبقى سواه مع الأسلحة والطائرات الممنوحة، ساذج من يصدق للحظة أن الأردن لم يمد يده لمساعدة داعش في تدريبها وتسهيل تمويلها، والآن كبر الطفل المسخ وتحول إلى وحش وانقلب حتى على شركائه في الأيدولوجية الإجرامية كجبهة النصرة التي توازيه إرهاباً وتنافسه على سلطة الخلافة، ولم ينقلب فقط على حلفائه وممويله بعد أن أدركوا حجم الكارثة التي صنعوا بأيديهم وقرروا القضاء عليها.

هل أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية أنها توقفت عن تمويل "داعش" بالسلاح؟ هل تتكفل الولايات المتحدة الأمريكية بسد عجز الميزانية المتهالكة أصلاً حين يتم تخصيص الأموال التي لا تملكها الخزينة للحرب البريّة؟ و إن فعلت ما مصير سيادة القرار الأردني حينها؟ ودعونا لا ننسى أن النسور غاب بكامل ألقه عن الأحداث الماضية ولم يظهر إلا متأخراً لإبلاغنا بثقل تكاليف الحرب على الميزانية؟ الغراب مرسال النحس لا يترك فرصة متاحة إلا ولعب بها على أوجاع الشعب!

الآن وقد أعلنت القيادة السورية رفضها القاطع لخرق سيادتها الوطنية بإقامة الحرب البريّة، ماذا سيكون القرار السيادي للقيادة الأردنية؟ هل ستقبل الأردن التنسيق مع سوريا؟ هل ستقبل سوريا التي صرّحت بوضوع بعلمها بدور الأردن في تغذية داعش بهذا التنسيق؟ هل ستصر الأردن على موقفها وتقحم جيشنا العربي في حرب مع جيش عربي آخر حين تصر سوريا على رفضها دخول قوات التحالف إلى أرضها؟
قد أخطأ الأردن خطأ فادحاً حين قام بالمساهمة في خلق "داعش"، وكبر الخطأ حين قرر الإنضمام إلى قوات التحالف ودفع معاذ ثمن الخطأ، واليوم سيزداد الخطأ فداحة بحال قرروا خوض الحرب وإفجاع قلوبنا بمعاذ تلو المعاذ!

وقفنا مع النظام في قراره حرب داعش مع قوات التحالف ولم نملك بديلاً، ووقفنا معه حين خسرنا معاذ في الأسر وبدأ المفاوضات لاستعادته، ووقفنا معه حين أعلن فشل المفاوضات التي كلفت أكثر من 100 مليون على مدار شهر، ووقفنا معه والنار تحرق قلوبنا حين استشهد النسر الكساسبة، وسنقف معه إذا ما قرر خوض الحرب البرية تحت راية التحالف نحن لا خيار آخر لدينا سوى الوقوف معه، ولكن لماذا لا يقف النظام معنا ويتخذ القرار الحكيم بالإكتفاء بحماية حدوده، وتكثيف خطته الأمنية الداخلية من دواعش الداخل والتنظيمات الإرهابية الأخرى بحال قررت إيقاظ خلاياها النائمة في الأردن والمضي قدماً في تهديداتها بتفجير الأماكن العامة!

بالفعل عند الشدائد شعب واحد، تلك خصلة لا يحق لأحد المزاودة عليها، تلك خصلة جعلتنا نرفع رأسنا عالياً حين نقول نحن أردنيون، قد زادنا معاذ شموخاً وعظّم كبرياءنا، يجب الإستفادة من هذه الميزة لصالح الوطن، لا استغلالها لصالح الغرب!

09-02-2015
إيناس مسلم




الأربعاء، 4 فبراير 2015

ترجل البطل

لقد نام شعب الأردن هذه الليلة نومة الصريع من فرط الألم ....واستفاق على وجع جرح لن يندمل 

اقتبست وتصرفت بجملة حاولت صديقتي على فيسبوك من خلالها التعبير عن هول البأس الذي أصاب الأردنيين أمس.

أكاد أجزم أن أم معاذ لم تدرك مصابها بعد، هذه الغيمة السوداء التي حطت على قلوبنا، تثقل بظلامها أرواحنا وتمطر أحمالها من مدامعنا.
تلك الحرب التي لم تكن حربنا من البداية اجتثت غنائمها  من أفئدتنا، وأصابتنا بحزن لم يعهده الأردن من قبل، هذا البلد العظيم المعتاد على تقديم الشهداء من أبنائه فداءً لقضايا الأمة، إلا أنه لم يعتد على تقديم الشهداء فداءً لقوات التحالف.

أما وقد أزهقت داعش الإرهابية روح معاذ البطل، فقد أصبحت حربنا، وقد جعلت داعش منها حربنا الشخصية، الأردنيون كافة الملتفون حول النظام أو الملتفون حول الوطن، هم اليوم متكاتفون لإسناد الجيش العربي الأردني، ملتفون حوله لدفعه وتشجيعه على خوض الحرب إنتقاماً لروح رفيقهم الملازم الأول البطل معاذ الكساسبة.

قد ترجل البطل عن فرسه، ولم يظهر للحظة ضعف أو خوف، لم يرتجف، لم يرف له جفن وملابسه غارقة في المواد المشتعلة، لم يبدي أي اهتزازة وهو واقف شامخ بانتظار أن تصله النار ويلقى مصيره المفجع، فاتحاً ذراعيه للموت مرحباً بالشهادة، إنما صرخ من شدة الوجع، صرخ الصراخ الذي لا تتمالك الحنجرة أن تكتمه أو تردعه، فالضلوع هي الصارخة والروح هي المنادية ربها ليقبض عليها برحمته ويخفف آلامها، فلتصل صرخته تلك لكل مسؤول وقّع على إدخاله في تلك الحرب، لتصل لكل نائب لم يملك حق أخذ القرار في إقامة تلك الحرب، لتصل لكل مشرّع سنّ قانون انتخابات لا يمثل الوطن ولا المواطنين ولا يمنح السلطة للنائب بأخذ القرار أو حتى تمثيل الشعب.

وليكن رد الأردن مزلزلاً، إعدام ساجدة الريشاوي التي عرقل العطل الفني مهتمها بقتل الأطفال و النساء وروّاد الفندق، وإعدام زياد الكربولي قاتل السائقين وسارق الشاحنات لا يكفي، فمن متى يعادل دم الإرهابي دم البطل، الرد الحاسم هو توحيد الجيوش العربية، والقضاء بيد الجماعة الواحدة على التنظيم الإرهابي داعش وكافة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، الرد الشافي لصدور الأردنيين لتهدئة لظى نيران إعدام معاذ فيها لا يكون إلا بقتل آخر إرهابي على وجه البسيطة.

حين يخرج أبطال الأردن تحت راية الجيش العربي الأردني، وبالتنسيق مع الجيوش العربية وتطهر الأردن من الإرهابيين المقيمين فيها والذين يغادرون أرضها بعد إعدادهم للإنضمام إلى صفوف داعش والقتال معها، حين نقضي على غسل أدمغة الشباب الأردنيين على أيدي شيوخ الإرهاب لإقناعهم بالقتال في صفوف داعش، حينها تصبح حربنا وتحت سيادتنا وإمرتنا، وحينها النصر حليفنا بعون الله.

بالتوازي مع محاربة الأردن للإرهاب، ربما حان الوقت لإعادة النظر في محاربة الفساد والفقر، اللذان يشكلان البيئة الخصبة للهرب من الواقع والإنضمام إلى الإرهابيين، ربما حان الوقت لإحقاق العدالة الإجتماعية التي لا تؤدي إلى إرسال ابن المسؤول ليصبح سفيراً وإرسال ابن الفلّاح ليصبح شهيداً في حرب ليست حربه، وابن الفقير ليصبح إرهابياً.. ربما حان الوقت.

اليوم يحمل الأردنيون كافة قبس المجد من يد ّ معاذ بعد أن ترجل البطل، ويسيرون خلفه مكملين المشوار على الطريقة الصحيحة ودرب الحق السليم، فليسجل تاريخ اليوم أن عدّ الفرسان قد بدأ بعد أن أعاد معاذ افتتاح العداد برقمه 2475، والأردن صاحب التاريخ الغني بالأبطال سيعيد اليوم تاريخه الأمس، نحنا جميعا ً خلف الجيش متسلحين بعزيمتنا، وإصرارنا على الإنتقام لمعاذ وحماية الأردن من بعده، كلنا اليوم معاذ الكساسبة وحتى آخر يوم في عمر كلٍّ منّا.

إيناس مسلم
04-02-2015