السبت، 13 فبراير 2016

الربيع العربي بين الواقع والأحلام

الربيع العربي بين أحلام 2012 وواقع 2016

كم حاولت جاهدة أن أنأى بنفسي عن هذا المجال، إنما كأنه المجال المغناطيسي لا ألبث أن أبتعد خطوة حتى يجذبني إلى أعماقه أكثر.

خلال الأعوام الماضية التي ثار بها الشباب العربي سعياً لتغيير الشكل السياسي لأنظمة الحكم، حدثت تغييرات ربما صدمت البعض وأحبطته وربما أفرحت البعض الآخر، إنما بالتأكيد لم يتنبأ بها أحد.

قبل أيام عدة قمت بالمشاركة في ورشة عمل اجتماعية في تونس ترعاها إحدى المؤسسات الثقافية، جمعت الورشة شباب من أنحاء الشرق الأوسط _ أو من الأنحاء التي سمحت لشبابها بالمشاركة_  وكنت قد التقيت بعضهم في ورشة من ذات النوع أقيمت عام 2012 في باريس-فرنسا، وشاركتهم طموحات الربيع العربي وأحلامهم الثورية التي مثلت أهدافاً سياسية ينوون تحقيقها على أرض الواقع.

ما جمع هؤلاء الشباب هو عامل الطموح والنشاط، فلكل منهم مشروع يسعى بجهد لتحقيقه، شابٌ يطمح لإنشاء مجلة ثقافية تتحدث عن ثقافة بلده، وفتاة تنوي إفتتاح إذاعة راديو تنقل ثقافة مدينتها، وآخر يحلم بإنشاء مركز للمحافظة على فن العمارة القديمة في بلده، أما عني فكان مشروعي عبارة عن مدونة تجمع المدونين العربي من مختلف الدول، وتطلق أعمالهم الصحفية سواء بالكتابة أو الصورة من منصة واحدة، وتنقل الأحداث الجارية في بلدانهم من عدسة أوقلم النشطاء السياسيين لا وسائل الإعلام والصحافة الرسمية، ونقوم بترجمة هذه الأعمال إلى اللغات الأجنبية، وفي الوقت ذاته تحمل مظلة قانونية تمكنها من تأمين الحماية اللازمة للمدونين التابعين لها بحال تم ملاحقتهم أمنيّاً أو تعرضهم للإعتداءات السافرة، باعتبارهم غير منتسبين لأي نقابة مهنية.

تميزت معظم المشاريع بقلة تكلفتها أو انعدامها، لأن في الحقيقة وعلى أرض الواقع لا يوجد أي جهة محلية كانت أو دولية، خاصة أو حكومية، ربحية أو خيرية تقوم على تمويل مشاريع فردية غير ربحية ذات أهداف بنّاءة غير تخريبية، في الوقت ذاته لم يكن أي ناشط ليقبل التمويل المادي لمشروعه خوفا من مواجهة تهمة امتلاك أجندات أجنبية، بالتالي كان الجهد الأعظم يقع على عاتق صاحب المشروع، فما عليه إلا البحث عن الأدوات اللازمة لإطلاق مشروعه، والبعض فعل ذلك بالفعل، وحقق حلمه ورأى مشروعه حيّاً، إما بمقومات أقل كأن تكون إذاعة الراديو على الإنترنت لا على تردد الإذاعات، أو كأن تكون المجلة الثقافية إلكترونية لا ورقية مطبوعة.

البعض بذل جهده ووقته لإنجاح مشروعه، وما لبث أن تجاوز الخطوة الأولى منه حتى تم إغلاقه وهدم حلمه أمام عينيه،و سدّ سبل النجاح في وجهه، وإعادته إلى نقطة الصفر أو ما دون ذلك، أما في حالتي فأنا كنت الأفشل، حيث أنني عوضاً عن السعي لإنجاز مشروعي، اتخذت الطريق الأسهل وغادرت أرض الوطن واتخذت من الغربة مأوى هجرت فيها مدونتي.

أعترف لم يكن ذلك بالأمر اليسير عليّ، ومن يعرفني خير معرفة يدرك أي جلد للذات قمت به بانسحابي المفاجئ هذا، ولكن بعد المشاركة في ورشة العمل الأخيرة اكتشفت أنني لست الوحيدة التي أدركت واقع الحال السياسي لا في بلدها فقط بل في بلدان المنطقة أيضاً، النقلة النوعية للنشطاء الذين التقيتهم لم تدمر أحلامهم السياسية فقط، بل دمرت أي أمل لهم في عيش حياة طبيعية، فمنهم من خسر وظيفته الرئيسية كمحامي أو طبيب للتفرغ إلى نشاطه السياسي أو مشروعه الاجتماعي، ومنهم من خسر عائلته أو بيته أو أمواله أو غيره مما لا يمكن تعويضه.

كانت تونس ومصر نافذة الحرية التي تمد النشطاء حول الوطن العربي بالأمل، والحقيقة أن الأوضاع سواء الأمنية أو السياسية في أيّ منهما ليس على الإطلاق أفضل مما كانت عليه قبل الربيع العربي، بل على العكس، نعم، أعلم بالطبع قاعدة أن التغيير الثوري يحتاج إلى سنوات من العمل وربما عقود، ولكن ما عرفته حديثاً أننا لا نحمل عقيدة الصبر أو الالتزام في نفوسنا أو المقومات الأساسية اللازمة حقيقة لإحداث التغيير، فمعظم الذين التقيتهم لم يفقدوا الأمل فقط في إحداث التغيير في دولهم أو إنجاز مشاريعهم، بل بات شغلهم الشاغل السعي للحصول على تأشيرة لمغادرة أوطانهم، لحماية أنفسهم والتأسيس لحياة كريمة قبل ذلك.

عند هذه المرحلة، أقر وأعترف أن الحال قبل الربيع العربي كان أفضل بألف مرة، ولوأخذنا النظام الأردني كنموذج فإنه سيبرز بتفوق كالنظام الأكثر وعيّاً في الحفاظ على أمن الدولة وأمن شعبها من خلال دبلوماسيته في التعامل مع الحراك السياسي، فبرغم براغماتية الحراك والإندفاع غير المبرر، إلا أن النظام تمكن من استيعابه بالتخطيط الناجح دون التسبب في دفعه للتهور أكثر أو إحداث الفوضى، بالطبع لا ننكر أن بعض الفضل يعود للشعب الأردني كركن داعم للنظام ومدرك لمخاطر تغيير الشكل السياسي للدولة.

انسحابي السياسي وربما انقلاب موقفي كما أسماه البعض ربما يكون قد أثار الغضب وأشبعني بالإتهامات، ولكن قياساً لواقع الحال؛ الأردن يشكل الدولة الأكثر حساسية على الصعيد الجيوسياسي، والحقيقة أن التحديات والمخاطر الأمنية تحده من كل صوب، بالإضافة إلى ضعف إمكانياته، مما يلزمنا بالحفاظ على الهدوء الداخلي ودعم القوى الأمنية للقيام بدورها الوظيفي في الحفاظ على الأمن بالأخص أمن الحدود، ربما يبدو الأمر ساذج للبعض، ولكن من التواجد على عمق داخل الحراك يدرك المرء أننا فعليا ً لا نملك الوعي السياسي اللازم لإحداث أدنى درجات التغيير، وأننا إذا سعينا على حالنا هذه لدفع التغيير للحدوث بالإكراه فإن العواقب ستكون وخيمة بحيث لا يتحملها الشعب.

أما لو قيّمنا الحراك عن بعد بشكل عام، فالمنطق يفرض على أي حراك سياسي امتلاك أعمدة أساسية ثلاثة يقوم عليها، الأول هو الهدف السياسي، وسواء كنت حراكي سابق أو حالي _بحال مازال هناك حراك_ أو لم تمت بصلة للحراك من أصله، ستجد أن الحراك على مدى أعوامه الخمسة قد تبدلت أهدافه مع تبدل القائمين عليه حتى بات من المستحيل الاتفاق على هدف واحد بين كل ثلاثة حراكيين، فتارة يكون الهدف تغيير الدستور أو العودة لدستور سابق، وأخرى تغيير حكومة ومرة تغيير شكل الحكم وأخرى تغيير شخص الحاكم، أو كما كان بالمراحل الأولى الإكتفاء بتغيير قانون الانتخابات، حتى انقسم الحراك برغم صغره إلى مجموعات أصغر كل منها اتفق على تغيير ما لا يناسب مصالحه الشخصية.

العمود الثاني هو القيادة، ولا أظن أن هناك حاجة لشرح هذه النقطة، فهذا الحراك أمامكم منذ انطلق، هل شهدتم على امتلاكه لقيادة في أي مرحلة من مراحله، وما السبب وراء ذلك يا ترى، أهو عدم وجود الحنكة السياسية الكافية بين صفوفه لقيادته، أم عدم التمكن من الاتفاق على قيادة معينة لأن كل جهة تريد أن تدير الدفة صوب أهدافها الشخصية أو تسليط الإضاءة عليها دون الجهات الأخرى، وطبعا لذلك أهدافه وجميعنا ندركها وشهدناها بحالات عدة.

أما العمود الثالث والخاتم لمقالي هذا، هو القاعدة الشعبية، والحراك في هذه كان كحالة الطقس لدينا، تسمع عن المنخض الدراماتيكي ولا تراه، وذلك يعود إلى عدة أسباب بعضها ضعف قدرة الحراك على جذب الشباب، و خوف الشعب من فقدان الأمن والأمان في بلده_وقد كان محقاً في هذه_ ، وانعدام وجود قيادة حقيقة للحراك قادرة على تثبيته على أقدامه والسير نحو الأمام و جمع الأعداد في طريقها أو على الأقل الاحتفاظ بمن انضموا إليه من البداية، وفشل الحراك في خلق الوسائل المناسبة للحالة في الأردن ونشر الوعي بالطريقة الصحية دون النزول إلى الشارع بأعداد أقل في كل مرة.


ودمتم




2016-02-13
إيناس مسلّم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.