الأحد، 20 أكتوبر 2013

هراوات النظام

يعود الدوام إلى طبيعته يوم الأحد بعد عطلة العيد الطويلة، يعود الموظفون إلى مكاتبهم المغبرة، يعودون إلى ساعات العمل الرتيبة وساعات العمل الشاقة، يعود كل منهم إلى السعي خلف رزقه، واللهاث خلف لقمة عيش لا تملأ بطن طفل!

من لن يعودوا إلى طبيعتهم ولن يذهبوا إلى دوامهم هم المعتقلون، أبناء معين الحراسيس لن يوصلهم والدهم إلى مدرستهم، طلاب هشام الحيصة لن يأتي أستاذهم ليدرسهم، طفلة رامي سحويل لن تذهب إلى عيادة تطعيم الأطفال برفقة والدها، مؤيد الغوادرة، منذر الحراسيس، باسم الروابدة، طارق خضر، ثابت عساف ومحمد ممدوح كل هؤلاء لن تعود حياتهم إلى طبيعتها كبداية كل أسبوع، ولا حياة عائلاتهم!

برغم أن مكيال انتهاك حريات الحراكيين لا يمكن أن يُكال به لبقية الشعب الأردني، ولكن من منا حياته هي ذاتها بعد مرور ما يقارب الثلاثة أعوام على الحراك الشعبي الأردني وأكثر من ذلك على الربيع العربي، من منا لم يغزو الحديث السياسي بيته، وعمله وحتى مدرسته، من منّا لم يناقش قرارات رفع الأسعار، ولم يتساءل أين الضريبة التي يدفعها دوريّاً، وأين ذهبت مقدرات الدولة! ومن المسؤول عن بيع الشركات الوطنيّة، وماذا سيحل بالفساد والفاسدين! من منا لم يستخدم مصطلع "حرية" في كلامه اليوميّ وضمن مفرداته اليومية من صباح الخير حتى مساء الخير، من منا لم يتغير وعيه السياسي على الصعيد المحلي والصعيد الإقليمي، من منا لم يتأثر بكل المجريات السياسية المحيطة به.

ما لم يتغير بالتأكيد هو أسلوب تعامل الأنظمة العربية مع التغيير الطارئ على مجتمعاتها، ربما لم تعد تخشى كمواطن أردني فتح حوارٍ سياسيّ ٍمع زميلك بالعمل، ولكنك قد تخشى أن تخطئ بكلمة توصلك إلى تلقي هاتف من جهة أمنيّة ما، أو توصلك إلى الجلوس في بيتك دون عمل، ربما وصل بك الأمر إلى أن تصرّح بما لا تؤمن فقط من باب ضمان استلام راتبك آخر الشهر، وذلك تحديداً ما أوصلنا إليه أسلوب حكم النظام الأردني، فهو لم يقمع المواطن بالرصاص الحيّ، والأساليب الدمويّة الأخرى، ولم يقمع بالاعتقالات إلا من أصّر على مبدئه وكان لنفسه ولغيره مُغيّراً وقائداً، كان شعلة الحق في الأردن، كان ومازال وسيبقى فهؤلاء لا يغيّرهم الاعتقال، ولا يطفئ نورهم القمع مهما حاولت قسوته سحق هاماتهم، بسحقهم النظام لا يسحق إلا نفسه.

أما البقية فكان الأسلوب الأنجع لقمعهم التضييق المعيشي عليهم، حرمانهم من الحصول على وظيفة أقل ما يمكن وصفها بالمحترمة، يحرمونهم الفرصة في الحصول على حياة كريمة لهم ولعائلاتهم، يمنعهم من تحمل مسؤولياتهم وتغطية التزاماتهم، بالتالي يقطع عنهم الهواء ويدفنهم وهم أحياء، منهم من ينهزم ويتراجع، ومنهم من يحاول بجهد أكبر للسباحة عكس التيار، ومنهم من يبرر لنفسه المعارضة من خلف البحار والحصول على لجوء سياسيّ، هؤلاء لن أدينهم ولن أحييهم فربما قد أتفق أو أختلف مع أساليبهم في حل مشاكلهم إلا أنني بالتأكيد أتفهم أسبابهم.

بعد شهور من فصلي من عملي، وشهور من الذهاب إلى مقابلات عمل لا أُحصِّل منها إلا الرفض الأمنيّ، سواء إن قيل لي ذلك حرفيّاً ومباشرة أو بأساليب ضمنيّة إلا أنه الواقع، أنا وغيري لم يتم اعتقالنا ولم يتم ضربنا والاعتداء علينا، ولكن تم التضييق علينا بأكثر الأساليب حصاراً للحياة، ومن ظن أن ذلك سيغيرأهدافنا أو سيبعدنا عن الشارع مخطئ حد السفاهة.

نعم، الشارع الأردني الآن غير مهيئ لطرح شعار إسقاط النظام، ولا يملك أدنى فكرة أو وعيّاً  سياسيّاً عن الخطوة اللاحقة لشعار إسقاط النظام، لا بل هو في بعض أجزائه لا يفرق بين مفهومي النظام ورأس النظام، ولك قياس ذلك على بقية المصطلحات السياسية بسيطة كانت أو معقدة، ولكن ذلك لا يمنع أنه يملك من الحسّ الوطني ما يؤهله ليؤمن بالتغيير اللازم تحقيقه في الأردن لاستردادها موارداً وسلطةً، مؤهل ليعلم أن القمع بكافة أشكاله واجب إسقاطه، وواجب عليه إعادة السلطة لقبضته، وانتزاعها من قبضة  عصابة رأس المال الحاكمة.

إن الشعب الأردني برغم ما يعتقده النظام الوظيفي عنه من سذاجة وسطحية وبساطة فكريّة، إلا أنه يدرك بكامل قدراته العقليّة، أن الهراوات الأمنيّة ليست فقط تلك التي يحملها رجال الدرك في الاعتصامات، إنما أيضاً أدواته الأخرى ليست إلا هراوات، من دائرة مخابرات، إلى محاكم دستورية وعسكرية وغير شرعية، وصولاً إلى رئيس الوزراء، وهو  أعظمها وأكبرها حجماً، ضربة واحدة منه كفيلة بإفقار مئات الآلاف من الشعب الأردني ودفعهم تحت خط الفقر، ولكن ما على الشعب أن يدركه، أن هذه الهراوة ليست إلا أداة، تغييرها بالاسم لا يعني إلا تغيير شكلها ونوعها من خشبي إلى كهربائي أو مطاطي أو معدني، وما يجب تغييره هو وظيفة رئيس الوزراء ودوره في الدولة، وذلك لا يتم إلا بتغيير طريقة تعيينه إلى طريقة اختياره من قبل الشعب، ويندرج تحت ذلك طريقة اختيار مجلس النوّاب ومنح الشعب الحرية الحقيقية في اختيار أعضائه لا الصوريّة من التصويت على قائمة منتقاة في دوائر المخابرات.


من العار على النظام الأردني أن يشارك في مؤتمر لحقوق الإنسان وهو لا يطبق في حُكمه أقل معايير الحفاظ على تلك الحقوق، طالما هناك معتقل سياسي واحد في السجون، وطالما هناك لاجئ سياسي واحد في أوروبا، وطالما هناك حراكيّ واحد لا يمكنه إيجاد وظيفة بسبب التضييق الأمنيّ عليه، وطالما هناك مدني واحد يتم محاكمته عسكريّا، إذن ليس هناك حقوق إنسان في الأردن، ولا حق للنظام في المشاركة في المؤتمرات الدوليّة لحقوق الإنسان! 

قد يكون للنظام هراواته التي يضرب بها الشعب، ولكن للوطن هراوة واحدة يدافع بها عن نفسه تلك هي الحراك الحيّ والنابض في قلوبنا والقائم بنا و بيننا بقلة القائمين عليه، إلا أنهم يد الخير الواحدة التي لا يمكن كسرها مهما تكالبت قوى الشر عليها. 



هناك تعليقان (2):

  1. شرموطه والله العظيم انك بتنتاكي يا قحبه

    ردحذف
  2. في الك زنبور الحسه يا ممحونة

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.