الخميس، 12 يناير 2012

الحكومة وحلولها الاستراتيجية


عندما قام الشاب التونسي محمد البوعزيزي بحرق نفسه منذ عام كان  الشرارة التي أشعلت الثورة في تونس وعدة دول عربية، وكان إضرامه النار بنفسه تعبيراً عن اعتراضه على أحواله المعيشية التي وضعته بها الدولة، وجاء رد الشعب بالانتفاض ثورةً له، و استردادا لكرامته وكرامتهم مما أجبر  النظام على الاستقالة، وتم إسقاطه، وها هو الشعب التونسي يشق طريقه نحو الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.

أما في الأردن وبعد فشل الحراك في إقناع الحكومة بإجراء الإصلاحات اللازمة وتصديها لكل وسيلة جديدة يتوصل لها الحراك لإقناعها بأن الشعب يائس وأن التغيير حاجة لا رغبة، وأنه لم يعد يحتمل مزيداً من الفساد،  قام أول مواطن بحرق نفسه ألا وهو أحمد مطارنة يأساً من تحسن أوضاعه المعيشية بعد أن كان موظف حكومة في أمانة عمّان، ولم يُحرك شعرة برأس الدولة، قام بعده بأقل من 48 ساعة ثاني مواطن ( ياسين فلاح) بحرق نفسه للأسباب ذاتها، قيل بالأول مـُنتحر كافر ومثواه النار والخطأ خطأه لأنه صاحب عائلة كبيرة، وقيل بالثاني أنه صاحب "مرض نفسي".

كثـُرت التعليقات والكاركاتيرات  الساخرة عن قدرة الشعب الأردني على الصمود تحت مختلف ضغوطات الحكومة من ضرائب وارتفاع أسعار، ولكن على ما يبدو أن الشعب لم يعد يملك تلك الموهبة في السكوت وبالوقت ذاته سيطر عليه الاستسلام من إيجاد حكومة وطنية همّها إحقاق العدل وإنصاف الوطن، طبعاً بغض النظر عن أنها تسعى جاهدة لإنصاف الشعب وإرباعه وإخماسه بكل التقسيمات العنصرية والإقليمية التي تقدر عليها لتقنعه أنه شعب لا يصلح لممارسة الديمقراطية!!

و بالطبع حكومتنا العتيدة هي الأقدر على فهم الشارع الأردني و فهم احتياجته، وهي الأقدر على تلبيتها وتحقيق أمنياته كافة، ورداً منها على محاولة إشعال الفتن وإثارة النعرات وتخريب أمن البلد التي حاول القيام بها المواطنين أصحاب الأجندات الخارجية عندما  قاما بحرق أنفسهما، وردّا منها على كل من تسوّل له نفسه إضرام النار بها لشدة يأسه من أن تتحسن أوضاعه و أن تـرد له الدولة حقوقه المنهوبة، و أن يستعيد كرامته المخصخصة، لترد على كل ذلك وتسيطر على ظاهرة المواطنين سريعي الاشتعال أعلنت الحكومة قرارها برفع الدعم عن المشتقات النفطية.

مرة أخرى تتفوق الحكومة على نفسها، هذا هو العدل الذي طمحنا إليه عندما استلم زمام الأمور رجل القانون، هذه هي الكرامة الاجتماعية التي لا هم للشعب بها لأن ثقته بحكومته عمياء بتأمينها لكل أنواع الكرامات المطلوبة، هذه هي الحرية التي يسعى إليها المواطن الأردني منذ أول مسيرة خرجت إلى الشارع، فقط اذهب إلى الدائرة التي ظلمتك واشعل النار بنفسك، لكل مواطن الحرية والحق في إضرام النار بنفسه والاشتعال حتى الموت وكن على ثقة أنك لن تجد حتى "سطلاً" واحدا من الماء يـُرشق عليك، وفي المقابل للحكومة الحق في القضاء على سبب إشعال الحرائق في الأنفس و رفع أسعار المحروقات.


الحكومة الأردنية ليس بالبليدة ولا العمياء ولكن مع ذلك ستة ملايين شرارة لن تحركها، وستة ملايين لأن حتى أغنياء البلد  سيشعلون النار بأنفسهم ذات يوم، فبعد أن تقضي الحكومة على الفقر بدفعها الشعب بأكمله إلى حرق نفسه، حيث أنه عوضاً عن قيامهم أفراداً بحرق أنفسهم ستقوم مجموعات من المواطنين بتجميع ثمن الكاز المرتفع وحرق نفسها كمجموعة كاملة وهكذا حتى يقضي آخر فقير على وجوده الكينوني ولا يبقى في البلد إلا الأغنياء، الذين لن يجدوا ما يسرقونه، فالدولة بأكملها أصبحت لهم ولن يجدوا فقراء يظلمونهم أو يتسلون بهم،  وهم أصلا لا عمل لديهم فقط مناصب، بالتالي سيدفعهم الملل إلى حرق أنفسهم، وهكذا تكون الحكومة قد أشعلت ستة مليون شرارة.

عزيزي المواطن حفاظاً على معدل الأسعار الحالي الرجاء الابتعاد عن الانتحار بالطرق الآتية:
1.    الغرق في نافورة عامة بعد تعبئتها بماء من المنزل.
2.    الاشتعال بالكهرباء بعد سحب سلك من البيت.
3.    الاختناق في شوال طحين أو أرز أو سكر.


 وإذا الشعب يوماً أراد حرق نفسه، رفعت الحكومة أسعار المحروقات.

هناك 15 تعليقًا:

  1. أبدعتِ كما عهدناكِ دائمأ صديقتي
    كلنا نعلم ان هذا لن يحرك ساكنأ لكن يكفينا شرف المحاوله على الأقل ”فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوه“

    ردحذف
  2. ألإنتقاد ألمثمر شيء ممتاز وخاصه إذا كان فيه الحل الجذري لمشاكل المواطن,ارجوا من الأخت ان تسعى لتقديم حلول جذريه إقتصاديه وطنيه حتى تكونين شعله لاجيال ناجحه يقتدى بها

    ردحذف
  3. في اسوأ الظروف الاقتصادية حكومتنا مشغولة بتشكيل لجنة للاحتفال بعيد ميلاد الملك اخ يا ضرايبي!

    ردحذف
  4. قيس .. تسلم يا صديقي .. إن شاء الله تكون قرأته للوالد كون رأيه بهمني للغاية :)

    ردحذف
    الردود
    1. لأ بصراحه
      بس بوعدك لأقرأو إياه

      حذف
  5. shashaa أتوقع الحلول أكثر من واضحة بخصوص أزمة البلد الاقتصادية وهي بإيد القيادات وما عليهم إلا ينفذوها

    ردحذف
  6. أحمد .. الغريب من وين جايبين ميزانية الاحتفال؟؟؟؟

    ردحذف
  7. مقال رائع وانتقاد في الزمان والمكان المناسبين ..
    ولكن عندي سؤال موجه للكاتبة .. ما بتشوفي انو لو صار في ثورة في الأردن انها رح تكون ثورة مدمرة و آثارها سلبية جدا ؟؟
    كلنا مع الإصلاح قلباً و قالباً و بنرفض الفساد قطعاً..

    بس بصراحة من تجربة الدول اللي حصل فيها الثورات ،، ما بتمنى يتكرر نفس السيناريو عنا !
    وانتي في المقال ذكرتي التجربة التونسية فقط .. ولكن انظري الى اليمنية و المصرية و السورية ...
    كل اللي بتمنى انو ربنا يهدي الحكومة و تفتح عيونها منيح على اللي بيصير .. ويارب الإصلاح يكون قريب و أقرب مما نتخيل ..

    مرة أخري أحيي الكاتبة إيناس .. واسمحيلي أحكي عن رأييي بصراحة ،، مع اني أول مرة بقرألك .. عن طريق صفحة الفيسبوك لصديقي محمد الشطناوي .. بس ماشالله أسلوب رائع و متقن وموضوعي جداً .. بتمنالك كل التوفيق ..

    محمد أبودية

    ردحذف
  8. محمد أبو دية ...

    أنا كمان لست مع الثورة التامة في الأردن ولكن مع أن يتم الإصلاح الشامل وإن احتاج الأمر إلى ثورة فنحن لها

    شكراً على العموم زدتني شرفاً بمرورك :)

    ردحذف
  9. انا لست مع الثورة ولا مع القاء النفس الى التهلكة ولا مع ارتفاع اسعار المحروقات و لا مع الحكومة ولا مع الاحتفال باي اشي ولكني مع الاردن قلباً وقالباً وضد الفساد والمحسوبية الي عمرهم ما رح ينتهو

    ردحذف
  10. " لا يبقى في البلد إلا الأغنياء، الذين لن يجدوا ما يسرقونه، فالدولة بأكملها أصبحت لهم ولن يجدوا فقراء يظلمونهم أو يتسلون بهم، وهم أصلا لا عمل لديهم فقط مناصب، بالتالي سيدفعهم الملل إلى حرق أنفسهم، وهكذا تكون الحكومة قد أشعلت ستة مليون شرارة "
    جدا رائعة

    الجميع بدأ مثل تونس و يا ريت ينتهوا مثل تونس

    ردحذف
  11. طرنيب سياسي, بس هون أنا شايف طرنيب "ناشط" شبابي !

    عند ردك على من سألك الحلول أعدتيه للحكومه( shashaa أتوقع الحلول أكثر من واضحة بخصوص أزمة البلد الاقتصادية وهي بإيد القيادات وما عليهم إلا ينفذوها)
    انا مش شايفه واضحه, ولا فاهم مين قصدك بالقيادات, ممكن توضحي الحلول.

    ملاحظه (طرنيب سياسي) مقاله لأحمد حسن الزعبي, ارجعي لها

    ايمن

    ردحذف
  12. كلام جميل ولكن غير واقعي.

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.