الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

تربية سياسية


تربية سياسية
يتصف الفصل الأول من كل عام دراسي جامعي بأنه (موسم المشاجرات)، حيث أنه في هذا الفصل تقام الانتخابات السنوية لمجلس الطلبة وتشاء الصدف أن تشب مشاجرة في الجامعة على الأقل بشكل شبه أسبوعي وتتزايد النسبة كلما اقتربنا من موعد الانتخابات، ربما لم تبدأ الانتخابات الجامعية بعد إلا أن المشاجرات الطلابية عاودت نشاطها المعهود من أول يوم دوام وبذلك مازال الفصل الأول محافظا على لقبه بلا منازع.
الهدف الاستراتيجي من إقامة  مجلس طلبة يتم قبول الأعضاء فيه حسب عدد الأصوات الأعلى بين كل مجموعة مرشحين عن كلية ما هو توعية الطالب بثقافة الانتخابات ومنحه القدرة على اتخاذ قرار قد يكون مصيري بحقه كطالب وبحق قسمه، وبالتالي تهيئته للمشاركة السياسية الحقيقية على أرض الواقع خارج أسوار الحرم الجامعي، فمجلس الطلبة ما هو إلا مجسم مصغر عن مجلس النواب، وعند المقارنة بينهما تجد الشبه واضح، فالأول هدفه خدمة مصالح الطلاب وإيصال صوت الطلبة إلى العمادة عبر ممثليهم في المجلس والثاني هدفه خدمة مصالح الوطن وإيصال صوت الشعب إلى .... الله أعلم.

من باب الأحقية في التصويت و المصداقية في المقارنة قمت بسؤال أحد المرشحين عن برنامجه الانتخابي، تماماً كما يطرح أي مرشح لمجلس النواب برنامج انتخابي، وبعد فشله في استيعاب السؤال أعدت صياغته بشكل أكثر وضوحاً وشفافية وسألته بشكل مباشر" لماذا رشحت نفسك للانتخابات؟"

طبعا لم أتفاجأ بردّه فهو عند التمعن لا يختلف عن سبب ترشح معظم النواب، حيث جاء ردّه كالتالي " تحداني أحد أبناء عشيرة كذا على الفوز بالانتخابات، فقبلت التحدي ورشحت نفسي"، إلا أنه عند النوّاب يتبلور بشكل أكثر تقدمية من تحقيق الرضا الذاتي والمصالح الشخصية.
المتمعن بإجابة هذا الطالب سيصل إلى يقين أن الدولة قد حققت هدفها عندما قررت إقامة انتخابات جامعية مصغرة تشبه الانتخابات النيابية بعظمة قدرها، شخصياً لا أستبعد على الإطلاق أن يكون معظم نوابنا الكرام من أعضاء مجلس الطلبة حين كانوا على مقاعد الدراسة، طبعا ذلك يشمل من حصّل تعليمه في المملكة الأردنية الهاشمية لا إحدى الدول الغربية كما تم الاكتشاف مؤخراً.....

بالتأكيد لا تكمن هنا المشكلة على الإطلاق، برغم سطحية دافع هذا الطالب لترشيح نفسه إلا أنه حمل أكوام الفكر والوعي والنضج الفكري على كتفه وذهب بها إلى المرشح الخصم الذي وقبل ترشيح نفسه حتى قام بتجهيز منشورات تشرح برنامجه الانتخابي الهادف إلى تحقيق مصالح القسم والطلاب حقاً والذي تسبقه سمعته في أنه فعلا شخصية دؤوبة في العمل الطلابي و منتج بمعنى الكلمة، قام صاحبنا بالذهاب إلى خصمه والطلب منه التنحي بذات ذريعة التحدي العشائري، وصدقاً لن ترتسم علامة استفهام ماروكو على وجهي عند تحقيق المرشح الأول أعلى نسبة أصوات....

المستغرب بالأمر ما انتشر مؤخراً من قيام جهة مسؤولة بتوقيع الطلاب المقبولين بالمكرمات والمنح الجامعية على تعهدات تضمن عدم انتمائهم للأحزاب السياسية، وبذلك هي تقوم بهدم محاولات بناء الطلاب وتوعيتهم سياسيا، فبأي وجه سيعبر الطالب عن رأيه بحرية ويقوم باختيار ممثله بنزاهة إذا كان لا يملك القدرة حتى على تحديد توجهاته السياسية والحكم عليها إذا ما كانت حزبية أم لا، هذا الطالب بعد أن يصبح موظف ويمتلك آراء اقتصادية وسياسية تتعلق بالشؤون المحلية خاصة به، كيف سيعبر عنها بأسلوب سلمي وناضج إذا كانت أبسط حقوقه الديمقراطية مهضومة.

كلنا نعلم أن الاستقلالية لها وجودها، ولكن فعليا الإنسان كائن اجتماعي لن يتحرك من تلقاء نفسه ما لم يجد الدعم ولو المعنوي من جماعة ما، وما لم يرى أن حزب ما يمثل أفكاره حتى لو لم ينتمي إليه، إذا شلّت الدولة هذا الجزء من عقل الطالب بالتالي هي تعطل أي محاولة للتغيير أو الإصلاح وعلى ما يبدو هو المطلوب، كيف إذا يتم اعتبار الشباب فرسان التغيير بعد أن تم نزع القدرة على التعبير من هؤلاء الفرسان!!

حينها يكون الهدف إنشاء قطيع من المواشي لا جيل من فرسان التغيير ومرة أخرى هو المطلوب، هناك كلمات محظورة في الجامعة لو تجرأت وتفوهت بإحداها ستجد نفسك فجأة أصبحت وحيداً وأقرب شخص عليك يقف على مسافة بضعة كيلومترات ونظره معلق نحو أي جهة أخرى لا لا يلمح ظلّك بها، من هذه المفردات "حكومة"، "سياسة"، "مجلس نواب"، "دستور"، "معارضة"، "حزب"،"ثورة"، وطبعا أعظمها وأشدها تأثيراً "اعتصام" فور نطقك للحروف الأولى من الكلمة ستجد أنك أنت نفسك اختفيت، هذا هو الوعي السياسي الذي نريد للطلاب أن يصلوا إليه.

زرع الرعب في قلوب الطلاب لدرجة أنه قد يكون هناك دكتور جامعي لا يصلح على أي مقياس أن يكون ضمن الكادر الأكاديمي في الجامعة، ومع ذلك مجرد طرح فكرة التوقيع   على عريضة أو تقديم شكوى بحقه يخطف اللون من وجوه الطلبة، وبالوقت نفسه فإن فكرة تخريب سيارته  بالسر أو تهديده أو ضربه من قبل مجهول تستهوي عقولهم إلى أبعد حد، هذه هي الشخصية الديمقراطية التي تسعى الدولة إلى تنشئة الطلاب عليها، تخويفهم من كل ما له علاقة بالسياسية ثم دعوتهم لإقامة انتخابات فقط لنبرهن على ديمقراطية سياساتنا وبرغم أن هذه الانتخابات تكون مليئة بالمشاجرات وأعمال العنف والتهديدات السرية والعلنية أو بشراء الأصوات ولكن مرة أخرى أليس هذا تماماً ما يحدث أثناء الانتخابات البرلمانية، إذا هنيئا لجامعاتنا مجالس طلابها وهنيئا لطلابنا ديمقراطية أنظمتنا.............

قد تمثل فترة الانتخابات موسم مشاجرات للبعض إلا أنها تمثل فترة نقاهة للبعض الآخر، أولئك أنا منهم هذه السنة لذلك أعتذر من زملائي بحال كان صوتي يقدم أو يؤخر فأنا ألتزم بحقي بالاحتفاظ به وعدم منحه لأحد ما لم أقتنع بالتغيير الحقيقي ...... وشكراً

إيناس مسلم
17-10-2011
5:45 pm 





رابط المقال الأصلي :
http://tarbeahnews.net/index.php?option=com_content&task=view&id=6291&Itemid=155

هناك تعليق واحد:

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.